Go to media page

إعرف حقيقة وهوية نفسك

مولانا الشيخ محمد ناظم الحقاني سلطان الأولياء

الله اكبر .. الله اكبر .. لا اله إلا الله .. الله اكبر ولله الحمد

يا ربنا أنت خلقتنا ووهبت لنا من كرمك ما لا نقدر على إدراكه الآن (في الحال) وفي المستقبل والى الأبد.. فاغفر لنا وارحمنا بحرمة أشرف خلق الله عند الله.. اللهم صلّ على سيدنا محمد ..اللهم صلّ على سيدنا أحمد .. اللهم صلّ على سيدنا محمود.. الله اكبر الله اكبر .. الله اكبر ولله الحمد..

هذا شرف لنا يا سيدي محمد صلى الله عليه وسلم أن نقف هنا ونردد أسماءك الكرام.

هذه الليلة ليلة الجمعة الفضيلة، نأمل أن تنزل علينا فيها إمدادات جديدة من الأولياء الصالحين .. إمدادات وتجليات لا بد وأن تكون جديدة.

السلام عليكم أيها المستمعون. لا تنظروا إلى ضعفي، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يمنح أي مخلوق خلقه أن يكون منذرا كما منح نملة واحدة القوة على إنذار جميع النمل وتحذيرهم ودفعهم للدخول الى منازلهم (مساكنهم) عندما رأت جنود سليمان عليه السلام يمرون خلال (وادي النمل).

قال تعالى { حتى اذا أتوا على وادي النمل، قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} صدق الله العظيم.

النمل لم ينظر الى تلك النملة الضعيفة المنذرة وإنما نظروا الى ذلك القوي ( عز وجل) الذي سخّرها لإنذارهم، ولهذا فعندما أطاعوها منحهم الله الحماية وأعانهم على الدخول الى مساكنهم بسرعة قبل وصول جيوش سليمان إليهم..

ولهذا، لا تنظروا إلي وتقولوا: ما هذا الذي يقوله هذا (الطاعن في السن)؟ إن كلامه غير مفهوم ونحن لا نستطيع إدراك كنهه.

النمل تفهم من النمل . وأنتم؟؟ هل انتم عاجزون عن فهم إنسان مثلكم؟ انا شخص ضعيف مثل تلك النملة ولكن الله سبحانه وتعالى سخّرني لإنذاركم، سخّرني لمخاطبتكم.

ايها المستمعون: ان الشيطان يمنعكم من الاستماع والإنصات ويقف في طريقكم وليبعدكم عن سماع إنذاري وتحذيري لأنه يعلم تمام العلم انه اذا سمعتم حقا، فإنكم ستؤمنون وأنكم اذا آمنتم فإنكم ستعملون ما يرضي الله وتتصرفون حسب أوامره ووصاياه ولهذا يحاول الشيطان جاهدا كل الجهد ان يبعدكم عن الحضور وعن الاستماع لما نقول..

الشيطان يريد من الكل ان يكون تحت لوائه وسيطرته مجبرا إياهم على اتباع تعاليمه مبعدا إياهم عن تعاليم السماء.. والعالم كله شرقا وغربا يركض وراء التعاليم الشيطانية، الجامعات والمعاهد والمدارس كلها تعلم مفاهيمه ومبادئه، والقصد من كل ذلك إغوائهم وتضليلهم وإبعادهم عن الطريق المستقيم والوقوف بينهم وبين الوصول الى الحضرة القدسية.

ايها الناس:

ان الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة الى عبادتكم ولكنه يحب لكم ان تصلوا اليه، الى محيطات عوالمه المختلفة المتعددة التي لا حصر لها والتي خلقها لكم لتتمتعوا بها.. آمنوا ولا تضيعوا حياتكم بالركض وراء التفاهات والاشياء الفارغة.. لا تلهوا أنفسكم باتباع مبادىء الشيطان الداعية الى تجديد حياتكم يوميا بشراء سيارات جديدة (لأن سياراتكم القديمة أصبحت موضة قديمة) واتباع اهواءكم .. انظروا الى هذا السيناريو.

ما رأيك يا عزيزي في شراء سيارة جديدة .. سيارتنا من السنة الماضية أصبحت "موضة قديمة".

حسنا .. ما رأيك بشراء شاحنة؟

ولكن من سيقود هذه الشاحنة؟

لا تقلقي، فإننا لن نقود هذه السيارة، سنتمتع بالنوم بها ونستأجر لنا سائقا خاصا لسواقتها وقيادتها..

هذا حسن، كذلك فنحن بحاجة الى إثاث جديد وبيت جديد.

سنناقش هذه الأمور غدا .. سننام الآن ونرى ماذا يحمل لنا الغد في طياته..

يا سبحان الله.. في هذه الحياة القصيرة، ترى الناس تركض دوما وراء التجديد والتغيير والتبديل، الكل يريد أن يجدد، إما بيته وإما سيارته.. ما هذا الهراء ..

ايها الناس : لقد أرسل الله سبحانه وتعالى 124000 نبيا من السماء وكل نبي دعا الى توضيح مهمتنا وهدفنا على هذه الارض وتحذيرنا من الجري وراء مثل هذه السخافات والمطالب الرخيصة، فإن الموت يجري وراءنا..

ايها الناس: إنكم لا تعلمون متى وأين وكيف يظهر عليكم الموت، ربما وأنتم نائمون فلا تستيقظون بعدها ولا تصبحون.. يعني ربما يأتيكم ليلا فلا تصبحون أو يأتيكم صباحا فلا تمسون .. هل فكرتم بهذا؟؟

منبع المشاكل كلها يكمن في إهمال التفكير في هذا، في الغفلة، ولهذا ترى الناس تضيع أوقاتها وطاقاتها على أشياء تافهة وترى الناس سائرة في طرق مظلمة مجهولة لا يعرفون الى أين تقودهم، ومع كل هذا يركضون ويتسابقون الى نهاية هذه الطرق مدفوعين بقوة خفية تقودهم ولا يستطيعون التحكم بها.

أيها الناس: البعض منكم الآن في طريقه الى النهاية، وربما يرى أمامه ستائر مثل الستائر التي تدلى على المسرح ويقف قلقا محاولا رؤية ما وراء هذه الستائر، ففكروا..

ايها الناس: فكروا بالذي يحصل، فكروا ماذا سيحصل للبشرية؟ الكل يركض .. يعيش .. وينتهي.. آلاف الناس، ملايين من الناس تختفي يوميا وتنتهي. لماذا لا تسألون أنفسكم : أين يذهب هؤلاء البشر؟؟ أنتم تضعونهم في قبورهم وتدفنوهم، فهل سألتم يوما الى أين يذهبون؟

لقد كانوا أناساً مثلكم يركضون ويركضون، يعيشون ويتقاتلون، واليوم تأخذونهم الى المقابر، تاركين وراءهم عمارات شامخة شيّدوها، تاركين وراءهم مشاريع ضخمة لإنشاء أبنية شاهقة (كبرج الخليفة الذي افتتح في السادس من شهر يناير 06.01.2010) والذي يعتبر أعلى بناية في العالم، مدمرين أبنية (مكة المكرمة القديمة) ويبنون على أطلالها بنايات شاهقة يوميا، شهريا وسنويا. يقومون بهدم الأماكن المقدسة ومحو آثارها ومشيّدين بدلا منها مراكزا (لعلماء السلفية) الساكتين عن الحق والراضين بما يدور حولهم من هدم (حرمة الحرم) غير معترضين على الذين يهدرون وقتهم وقوتهم في هندسة وتخطيط الأبنية.

لماذا لا تعترضون على هذا؟ فأنتم تعرفون حق المعرفة رأي القرآن الكريم في مثل هذه العمارات الشاهقة وناطحات السحاب، لماذا لا تتكلمون؟

انا لا أصرخ على قداسة البابا لأنه لا يعترض على نوع الأبنية التي تبنيها النصارى، فهذا راجع لهم، أما نحن فلماذا نبني هذه البنايات؟

أيها الناس: حاولوا أن تفهموا ما يأتي على لساني وأتكلم به، فأنا مأمور أن أجلس هنا لأخاطبكم وما أقول هو من إمدادهم ( من إمداد الأولياء الصالحين) وأنتم أيها العرب أعلم مني ما المقصود (بالأولياء الصالحين) ولكنكم للأسف تحاربون ما جاء به القرآن الكريم وتستهزئون به، فلا تجعلوا إخبار القرآن الكريم عن حياتنا هنا وحياتنا في الآخرة، لا تأخذوا هذه الأشياء كمهزلة.

نحن اليوم هنا فوق التراب، وغدا تحت التراب ولكن أرواحنا لن تدفن تحت التراب، فلكل روح مدخل خاص بها ترتقي منه الى الأعلى وتدخل عبره الى أراضي الله المقدسة في (السماء).

ايها الناس: تذكروا بأنكم في يوم ما ستتركون هذه الحياة لترتقي الملائكة بأرواحكم (وليس بأجسادكم البالية عديمة القيمة) الى الأعلى، فأرواحنا لها قيمة خاصة والكيان الطاهر هو الذي يرتقي الى السماء .الأولياء الطاهرين برتقون إلى الأعلى وليس العصاة. فإن لم نصبح من الطاهرين فلن يسمح لنا بالدخول ، والذي يبقى على حالته العاصية فسيلقى الى أسفل سافلين وتبتلعه الأرض ليصل الى قاعها ومن ثم الـى (سجّين).

أيها الناس: انا لا أتكلم اليكم كما يتكلم (البروفيسورات)، فهؤلاء لا يؤمنون أصلا بما أقول معترضين على أقوالنا بأنها (عتى عليها الزمن) أقوال الأنبياء . لا تعترضوا ولا تنكروا ما جاء به الأنبياء من السماء فإنها محيطات ليست كالمحيطات المعروفة لدينا، إنها محيطات تبتلع كل ما يعترضها من محيطات أخرى.

أيها الناس: لا تتعجبوا من سؤالي هذا، ولكن هل تعرفون حقا من أنتم؟

إن مثل هذا السؤال قد طرح في السابق من سيدنا عيسى عليه السلام على الأشخاص الذين كانوا يتبعونه. نعم.. سيدنا عيسى كان يسأل مثل هذا السؤال ليعلّم الناس شيئا عن هويتهم، عن شخصيتهم الحقيقية، فلا يكفي أن تعرف أن اسمك اسكندر او الاسكندر او حتى فيليب، هل هذا الاسم مطبوع على جبينك او على صدرك؟ هل هذا الاسم يثبت هويتك الحقيقة؟

ان الأنبياء ما أُرسلت إلا لتعلّم الناس ماهية أنفسهم وحقيقة مهمتهم وهدفهم الأسمى ولكن للأسف فإن أكثر الناس لا تلقي السمع. نعم سيدنا عيسى كان يقول لأتباعه:

ـ أنا عيسى المسيح، أرسلني رب السماوات والأرض وخالقهما لأعلمّكم..

ـ ماذا تعني بهذا؟

ـ اجلسوا حتى أخبركم ببعض الأشياء عني وعن أنفسكم. إني أرسلت لأبقى معكم بعض الوقت معلما ومخبرا. أخبركم عن خالقكم وخالق الخلق أجمعه.

في بعض سياحة المسيح عليه السلام، قابل رجلا صالحا يعيش في الجبال، ليس له بيت يأويه ولا ظل شجرة من حر الشمس تحميه، فسأله سيدنا المسيح عليه السلام:

ـ يا عبد الله ماذا تفعل هنا؟

ـ فأجاب الرجل العابد الصالح: أأنت من يسأل مثل هذا السؤال.. أنت الذي منحه الله سرا خاصا بمعرفة خلقه؟ أنت تعرف بالتأكيد أن الذي خلقنا، ما خلقنا إلا لعبادته، فكيف تسأل هذا يا روح الله .. أنت (معجزة) خلقك الله من أم بلا أب لتكون آية للناس.

فأجاب المسيح عليه السلام:

ـ يا عبد الله : والله إني لأعرف كل هذا ولكني أريد ان أسمع الجواب من عبد من عباد الله، لأن الناس لا تفهم الأنبياء عندما تريد توضيح شيء لهم، أما أنت فإنك من عامة الناس وتستطيع أن تشرح هذا أحسن مني فيفهموك!

فقال الرجل الصالح: اذا كان هذا ما تريد، فإني أجيبك على سؤالك بكل بساطة. إني هنا كما ترى ليلا ونهارا.. صيفا وشتاء، في أي وقت من الأوقات تمر بهذا المكان، ستجدني قائما أصلي لله عز وجل وليس عندي مكان أحتمي به من برد الشتاء او حر الصيف، أني هنا فقط قائم على عبادة الله.

فسأله المسيح عليه السلام: ولكن لمَ هذا يا عبد الله؟

ـ يا معجزة الله: لقد علمت بأني لن أعيش أكثر من 700 عام ولهذا قررت أن لا أضيع الوقت هباء وأن أقضيه كله في خدمة الله وعبادته.

فقال المسيح مستغربا: والله يا عبد الله الصالح إن الله خلق أمّة تتراوح أعمار أبنائها بين الستين والسبعين عاما، ولكنهم مع كل هذا سيبنون العمارات الشاهقة كأبنية وعمارات النمرود. هذه الأمة هي أمة (أحمد) الذي أمرني الله تعالى أن أبشّر به والتي ستأتي بعدي والتي حسب أقوال (أحمد) وتعاليمه ستكون أعمارها ما بين 60– 70 عاما.

فقال الرجل الصالح صادقا: والذي نفسي بيده يا (روح الله) لو علمت أني لن أعيش أكثر من 60 عاما وكنت من تلك الأمة لخررت على الأرض ساجدا في سجدة لا أرفع رأسي بعدها إلى أن يقبض الله روحي وتؤخذ الى الحضرة القدسية.

فيا علماء السلفية، ماذا تقولون عن هذه العمارات الشاهقة والأبنية التي تحيط بمكة المكرمة ؟ هل تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر؟ لماذا لا تذكرون هذا الحديث لملككم المعظّم؟ هل تخافون منه؟

ان بناية مثل هذه العمارات هو حرام في حرام والملائكة تستغرب من الذين يبنون بيتا أكثر من طابقين وتقول: يا بني آدم الي أي حد تريدون العلو؟ اذكروا هذا الحديث واستغفروا لجهلكم ومخالفتكم لوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم.

"أخبرني عن إمارات الساعة. أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان"، أما أنا فإني أفر الى الله طالبا الغفران وسائلا أن لا أكون من هؤلاء الضالين الغافلين.

الحمد لله .. الحمد لله... الكل يسمع ويفهم حسب نيته وأعماله والطاعة لله كما يريدنا ان نطيع.

أستغفر الله لي ولكم..

ما قلنا سابقا هو شيء بسيط من العلم يريد به الله أن يوقظ الناس.

الفاتحة.

**

UA-984942-2